في هذه الحلقة سنتكلم عن واحد من أهم مميزات السيارات الحديثة والمؤثرة في أداءها وثباتها..
الإيرودَيناميكس
الإيرودَيناميكس (Aerodynamics) أو ديناميكا الهواء… هو علم يختص بدراسة حركة الهواء حول الأجسام الثابتة أو المتحركة…
بدايات تعرف الإنسان على أهمية استغلال الهواء بدون شك كانت مع استخدام الأشرعة في السفن.. ولكن قل الاهتمام به كثيرا خاصة بعد استخدام المحركات في السفن..
وحاليا يتم تطبيقه أيضا على المباني العملاقة وناطحات السحاب.
وكما ترون فإن تطبيقاته عديدة ومتنوعة.. فلا يكاد يخلو تطبيق هندسي يتعرض للرياح والهواء إلا ويمكن تطبيق هذا العلم عليه..
لكن ما يهمنا من كل ذلك الآن هو كيفية الاستفادة منه في السيارات..
في السيارات… تدرس الإيروديناميكس موضعين:
الأول: كيفية تقليل مقاومة الهواء لتحسين الأداء وتقليل استهلاك الوقود،
والثاني: كيفية استغلال الهواء في زيادة ثباتها أثناء حركتها (وهذا ما سنتكلم عنه الآن)
لو كنت تقود سيارتك في يوم عاصف شديد… هل أحسست بأن السيارة لا تسير في خط السير الذي تريده وتميل للانحراف؟؟؟
لكي نفهم تأثير الهوا على العربية دون تعقيد… جرب أن تخرج كفك من نافذة السيارة أثناء سيرها "بسرعة عالية"... ثم غيّر وضع يدك أثناء السير… مثلا.. اجعل يدك مرة في وضع رأسي ومرة بوضع أفقي… ومرة اجعل جانب يدك يواجه الهواء ومرة أخرى اجعل كامل الكف يواجهه…
أعتقد أن معظمنا جرب مثل ذلك أثناء الطفولة…
ومن هنا اكتشف المصممون تأثير الهواء وبدأوا يفكرون في الاستفادة من الهواء في الحفاظ على ثبات السيارة… خصوصا في السرعات العالية…
فكيف استطاعوا ذلك؟؟؟
كما قلنا من قبل في الحلقة الأولى من هذه السلسلة… فالوزن الخفيف معناه استهلاك أقل للوقود وقدرة أعلى على التحكم في السيارة…
ولكن على السرعات العالية يدخل الهواء كعامل إضافي .. ومن الممكن أن يكون الهواء سبباً في ضعف ثبات السيارة على الطريق… لإن قدرته على حمل السيارة - الخفيفة في الوزن - أصبحت أكبر…
دعونا نفهم أولاً ما الذي يحدث للسيارة أثناء سيرها..
- قوة الاندفاع (Thrust) وهي القوة الأساسية المحركة في اتجاه الحركة للأمام..
- قوة السحب (Drag) وهي القوة المضادة أو المقاومة التي تسحب الجسم للخلف (عكس اتجاه الحركة) نتيجة مروره في الهواء..
- قوة الرفع (Lift) وهي القوة التي ترفعه لأعلى (عن طريق الهواء)..
- قوة الجاذبية (Gravity) وهي قوة خفض (Downforce) توجهه لأسفل نتيجة وزنه..
في السيارات لا يختلف الموضوع كثيراً.. ألم نقل أن السيارات تسبح في الهواء؟؟
كيف ذلك؟؟
عند تحرك السيارة يمر الهواء تحت السيارة… ويتسبب ذلك بتيارات يمكن لها رفع السيارة عن الأرض.. حيث تتولد من ذلك "قوى رفع"..
ولو ارتفعت السيارة ولو بشكل بسيط فهذا معناه أن قوة التصاق إطارات السيارة بالأرض ستقل، وبالتالي فإن قدرتنا على التحكم في السيارة ستقل بشكل كبير جداً.
أرجو التركيز... نحن الآن نتكلم عن الحلول التي نبحث عنها لزيادة التماسك (Traction)... لأن هناك حلولاً إيروديناميكية أخرى تستخدم للتقليل من قوة السحب (Drag)... وهذه الحلول ليست موضوعنا هنا.
حسناً .. ماذا نفعل لنزيد التماسك؟؟
أمامنا أحد حلّين...
إما أن نقلل الهواء السفلي (المار تحت السيارة)... أو أن نزيد وزن السيارة لكي لا يستطيع الهواء رفعها...
ما هذا الكلام المتناقض؟؟!! نزيد وزن السيارة؟!!!!... ألم تقل من قبل أن زيادة الوزن شيء سيء؟؟!!!!!
صحيح… فالوزن الزائد خطأ… ولكن وفي هذه الحالة فسوف نزيد الوزن حين الحاجة فقط وبشكل غير مباشر.. من خلال استغلال الهواء لكي يتسبب هو ذاته في الضغط على السيارة لأسفل عندما تتحرك السيارة بسرعة عالية..
تكمن الفكرة ببساطة في توليد فرق في ضغط الهواء.. فالضغط العالي يعني قوة زائدة… والضغط المنخفض يعني قوة أقل كثيرا..
وعند تواجدهما إلى جوار بعضهما .. تتولد قوة دافعة من الضغط الأعلى إلى الضغط الأدنى..
وعادة ما تنحصر الحلول الإيروديناميكية في جزئين: تصميم الجسم بشكل يزيد من الثبات.. أو إضافة زوائد مساعدة في حالة لم يكن شكل الجسم كافياً..
أولاً… زيادة الضغط العلوي
الحلول التصميمية
قد يكون شكل السيارة أحد أسباب زيادة أو تقليل ثباتها على السرعات العالية..
إذا قارننا أشكال السيارات في الماضي بالسيارات الحديثة، سنجد أن شكل السيارات في الستينات والسبعينات كان سبباً أساسياً في ضعف ثبات معظم السيارات..
فشكل المقدمة في السيارة يساعد على نزول الهواء تحت السيارة مما يعمل على رفعها أثناء الحركة… وكذلك فإن الشكل الصندوقي للسيارة يشكل فراغات هوائية تسبب خلخلة في الضغط أعلى السيارة .. هذا بالإضافة إلى علو السيارة عن الأرض ما يؤدي إلى دخول الهواء تحتها بسهولة.
|
انتبه مصممو السيارات في الماضي إلى تأثير الهواء على أداء السيارة وانسيابيتها… ولكن تأثيره على الثبات لم يبدأ تطبيقه إلا حديثا.. حيث انتبهوا إلى تأثير شكل السيارة.. وحاولوا تغيير شكل السيارات بحيث تساعد على سهولة اختراق تيارات الهواء بطريقة تزيد من الثبات.
|
تأثير مقدمة السيارة على توجيه تيارات الهواء أثناء سير السيارة |
فكلما كانت مقدمة السيارة منخفضة كلما ساعد ذلك على اختراق الهواء بطريقة تجعل معظم الهواء يتوجه لأعلى السيارة… وهذا يعني وزناً أكبر يضغط السيارة لأسفل..
كذلك كلما كان الفرق بين ارتفاع سقف السيارة ومؤخرتها صغيراً كلما ساعد ذلك على انسيابية الهواء فوق السيارة دون خلق مناطق فراغ هوائي… وهذا أيضاً يساعد على زيادة الثبات بشكل عام..
الزوائد على جسم السيارة
الجناح الخلفي Rear Wing
باختصار… مهمته عكس أجنحة الطيارات… فبدلا من أن تعمل على الرفع تقوم بالضغط لأسفل عن طريق توجيه الهواء…
أي أن الضغط يزيد في أعلاه ويقل أسفله.. ما يعمل على توليد قوة خافضة Downforce... وهي بذلك تضع وزناً إضافياً يزيد بزيادة سرعة السيارة.
مقارنة تبين الفرق بين جناح الطائرة والجناح الخلفي في السيارات |
الجناح الخلفي في اليمين يزيد من الثبات ، أما الجناح إلى اليسار فهو السبويلر الذي يقلل من قوى السحب |
الأجنحة الأمامية Front wings
وهي زوائد أمامية تعمل بنفس فكرة الجناح الخلفي.. وربما رأيناها بشكل واضح في سيارات السباق..
إلا أن بعضا منها يمكن تركيبه بشكل أبسط في السيارات العادية على شكل جنيحات جانبية على الصادم الأمامي..
ثانيًا… تقليل ضغط الهواء أسفل السيارة
حلول جسم السيارة
تقوم الفكرة على خنق تيارات الهواء بإجبارها على المرور في ممرات ضيقة ثم يعقبها ممرات واسعة .. ما يجبر الهواء على المرور منها بسرعة مما يقلل من الضغط بشدة..
الإضافات على جسم السيارة
سدود الهواء Air Dam
التنانير الجانبية Side Skirts
تركب التنانير الجانبية لمنع دخول الهواء من جوانب السيارة.. خاصة إذا كانت سدود الهواء مركبة في الواجهة الأمامية.. وإلا فلن يكون لها التأثير المطلوب..
الفاصل الأمامي Front Splitter
الزعانف الخلفية Diffusers
يتمثل الدور الرئيسي للزعانف الخلفية في سيارة السباق الحديثة في تسريع تدفق الهواء أسفل السيارة .. عن طريق إنشاء منطقة ذات ضغط منخفض… وبالتالي زيادة القوة الضاغطة..والملاحظ هنا أن بعض صانعي السيارات العادية قد يضيف للسيارة بعض الزعانف الخلفية الصغيرة مركبةً على الصدام الخلفي..
أخيرا...
…